ومن سبه عز وجل من المعاهدين بغير ما يحله إياه، ويدين به، ويؤخذ منه الجزية على أن يقر عليه، فإنه يقتل ولا يستتاب، لكنه إن أسلم قبل أن يقتل؛ لم يقتل لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨] .
[: قال إن الله لم يكلم موسى]
ومن كتاب جاع فباع امرأته قال ابن القاسم: أرى من قال: إن الله لم يكلم موسى أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، أراه من الحق الواجب وهو الذي أدين الله عليه.
قال محمد بن رشد: أما من قال: إن الله عز وجل لم يكلم موسى، فلا إشكال ولا اختلاف في أنه كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه مكذب لما نص الله تعالى عليه في كتابه من تكليمه إياه حقيقة لا مجازا بقوله:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء: ١٦٤] ؛ لأن المجاز لا يؤكد بالمصدر، وأما من قال من أهل الاعتزال والزيغ والضلال: إنه كلمه بكلام خلقه واخترعه في حين تكليمه إياه، ونفى أن يكون كلام الله تعالى صفة من صفات ذاته، وزعم أنه خلق من خلقه، وأن القرآن مخلوق، وأن أسماءه وصفاته محدثة مخلوقة، وأن الصفة هو الوصف، فنفوا أن يكون لله تعالى في أزله كلام أو علم أو قدرة أو إرادة، فأهل العلم في تكفيرهم على فرقتين، منهم من يكفرهم بذلك، وهم الكافة، ومنهم من لا يكفرهم بذلك؛ لأنهم إنما فروا من الكفر؛ إذ ظنوا بإضلال الله لهم أن من أثبت لله عز وجل حياة وكلاما وعلما وإرادة وسمعا وبصرا فقد شبهه بخلقه؛ لأن هذه صفات المخلوقين المحدثين، ومالك ممن اختلف قوله في تكفيرهم حسبما مضى من قوله في أول سماع ابن القاسم من الأقضية الثالث، من سماع أشهب.
والأدلة على إثبات صفات ذاته عز وجل، وأنها قديمة غير مخلوقة ولا محدثة كثيرة ظاهرة بينة لمن شرح الله صدره وهداه، ولم يرد إضلاله وإغواءه،