دين، وهو مجهول، إذ لا يجوز عند أحد من العلماء أن يقلد العالم العالم فيما يرى باجتهاده أنه خطأ، وإنما اختلفوا هل له أن يترك النظر في نازلة إذا وقعت ويقلد من قد نظر فيها واجتهد أم لا؟ ومذهب مالك الذي تدل عليه مسائله أن ذلك لا يجوز، فلم يتابع مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة ابن هرمز على قوله دون نظر، بل رآها جائزة لا بأس بها بنظره، وحكى ما بلغه عن ابن هرمز من إجازتها استظهارا لصحة نظره، واحتجاجا على من خالفه فيه، والوجه في ذلك أن الألف دينار التي ترك المتوفى لم تدخل بعد في ضمان الغرماء فيكونوا قد دفعوها في أكثر منها إلى أجل بدليل أنها لو تلفت ثم طرأ للميت مال لكانت ديونهم فيه، وكانت مصيبة الألف من الوارث، فلما كانت الألف باقية على ملك المتوفى جاز أن يحل الوارث فيها محله ويعمل مع الغرماء فيها ما كان يجوز له أن يعمله معهم لو كان حيا، ألا ترى أنه لو فلس فلم يوجد له إلا ألف دينار وللغرماء عليه ثلاثة آلاف دينار لجاز أن يتركوا له الألف ويؤخروه بحقوقهم حتى يتجر بها ويوفيهم حقوقهم، ولم يكونوا إذا فعلوا ذلك قد أعطوا ألفا في أكثر منها إلى أجل وإن كانوا قد ملكوا أخذ الألف إذ لم يحصل بعد في ضمانهم، فكذلك حالهم مع الوارث لأنه إذا رضي بذلك فقد أنزل نفسه منزلته، وكأنه أحيا ذمته وأبقاها، فهذا هو الذي ذهب إليه مالك، والذي يدل على ذلك من إرادته أنه لم يجز ذلك لأحد الورثة إذا كانوا جماعة إلا على أن يكون الفضل بينهم، لأن تجارته في الألف التي تركها الغرماء في يده إنما هي على ملك المتوفى، فهذا وجه قول مالك في هذه المسألة، والله أعلم، وسيأتي في رسم البيوع من سماع أشهب مسألة من هذا المعنى سنتكلم عليها إن شاء الله، وبه التوفيق.
[مسألة: يتيم كان له مال عند رجل فاستهلكه وأفلس الرجل]
مسألة وسئل عن يتيم كان له مال عند رجل فاستهلكه وأفلس الرجل أترى أن يبدأ اليتيم؟ قال: بل أراه أسوة الغرماء.