للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للتجارة فقال: لا أحب ذلك ولا أراه له، قد جعل الله لكل نفس أجلا تبلغه، ورزقا تنفذه، وهو يجري عليه أحكامهم، فلا أرى له ذلك.

قال محمد بن رشد: قوله: لا أحب ذلك له، ولا أراه معناه: لا يحل ذلك ولا يجوز، فقد قال مالك: لم يكن من شأن العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، وكانوا يكتفون بأن يقولوا: لا بأس بهذا، وفي هذا سعة ولا أرى هذا، ولا أحب، وإني لأكرهه وما أشبه هذا، ويكتفي بذلك منهم، فعلى هذا أتى جوابه في هذه المسألة، والله أعلم.

ومن الدليل أن ذلك لا يجوز إجماع أهل العلم على أن من أسلم ببلد الحرب، فواجب عليه أن يخرج منه إلى بلد الإسلام ولا يقيم حيث تجري عليه أحكام الكفر، فإذا كان الخروج واجبا عليه مفروضا كان الدخول إليه حراما عليه محظورا، فمن فعل ذلك طائعا غير مكره وهو عالم بأن ذلك لا يحوز له كان ذلك جرحة فيه، وسقطت إمامته وشهادته، قال ذلك سحنون، وينبغي أن يحمل على التفسير لما في كتاب الولاء والمواريث من المدونة من إجازة شهادتهم لاحتمال أن يكونوا رمتهم الريح إلى بلاد العدو، ولم يذهبوا إليها للتجارة طائعين، ويحمل أيضا أن يكون إنما أجاز شهادتهم إذا عرفت توبتهم من ذلك، إذ يبعد أن تجاز شهادة من يدخل إلى بلد الحرب للتجارة وطلب الدنيا، وهو عارف بأن ذلك لا يجوز له، وأن أحكام الشرك تجري عليه، وبما هو أقل من هذا، يجرح الشاهد وتسقط شهادته، وقد كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - السكنى ببلد يسب فيه السلف، فكيف ببلد يكفر فيه بالرحمن، ويعبد فيه من دونه الأوثان، لا تستقر على هذا نفس صحيح الإيمان.

[اشتراء النوبة والبجة]

من سماع أشهب وابن نافع عن مالك رواية سحنون من كتاب أوله بيوع وكراء قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك عن

<<  <  ج: ص:  >  >>