ويبرأ منه لأن القوم إذا تحاسبوا دخل أشباه هذا بينهم، فلو كان كل من جاء منهم بعد ذلك بذكر حق فيه شهد آخر بما فيه لم يتحاسبوا ليبرأ بعضهم من تباعة بعض.
قال الإمام القاضي: هذا بين لا إشكال فيه ولا اختلاف لأن ذكر الحق الذي قام الطالب به قبل البراءة، وإذا كان قبلها فالقول قول المطلوب أنه قد دخل في البراءة، لأن الحقوق إذا كانت لرجل على رجل بتواريخ مختلفة فالبراءة من شيء منها دليل على البراءة مما قبله، وهذا من نحو قولهم فيمن أكرى دارا مشاهرة أو مساناة إن دفع كراء سنة أو شهر براءة للدافع مما قبل ذلك، ومثل ذلك ما وقع في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب التخيير والتمليك في الذي يبارئ امرأته وهي حامل على أن تكفيه مؤونة رضاع ولدها ثم تطلبه بنفقة الحمل فقال: إنه لا شيء عليه من ذلك لأنه يعرف أنه لم يكن يمنعها الرضاع ويعطيها هذا، وإنما الاختلاف إذا قام بذكر حق فادعى أنه بعد البراءة، وزعم المطلوب أنه قبل البراءة وأنه قد دخل فيها، وفي ذلك ثلاثة أقوال قد مضى تحصيلها في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات، وسيأتي في الرسم الذي بعد هذا من هذا الكتاب، وفي نوازل سحنون ورسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ منه، وبالله التوفيق.
[مسألة: هلك وقبله ودائع للناس وقراض لا يعرف شيء منها بعينه وعليه ديون]
مسألة قال: وسمعت مالكا يقول فيمن هلك وقبله ودائع للناس وقراض، وعليه ديون، فلما هلك لم يوجد عنده شيء من ذلك يعرف ولم يوص، قال: يتحاصون جميعا فيما ترك إلا أن يوصي في مال بعينه فيجوز لمن أوصى له به من قراض أو وديعة لمن لا يتهم عليه، قال ابن القاسم: وأما في الفلس فلا يصدق لأنه لو أقر عند الموت بدين لأجنبي جاز إقراره، ولو أقر به في الفلس لم يجز إقراره.