للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم دخول الأسواق]

في جواز دخول الأسواق وكراهية ترديد اليمين قال: وسمعت مالكاً يذكر، قال: كان ابن عمر ربما أتى السوق وجلس فيه،، وأنه قعد يوماً ورجل يبيع شيئاً، وهو يحلف ويردد، وابن عمر يَسمعه. فقال له: اتق اللَّه، ونهاه، فإن هذه سبعون يمينا. فقال: لا واللَّه رداً على ابن عمر فقال: هذه إحدى وسبعون.

قال محمد بن رشد: أما دخول الأسواق والجلوس فيها فلا اختلاف أن ذلك مباح غير محظور، ولا مكروه. وكفى من الدليل على ذلك، قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: ٢٠] رداً لقول المشركين: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: ٧] الآية وإنما نهى ابن عمر الرجل عن ترْدِيد الأيمان ووعظه في ذلك، لأن من ردد الأَيمان وأكثر منها لم يسلم من مواقعة الحِنث فيها والتقصير في الكفارة، وأن يحلف على ما لم يفعله يقيناً فيأثم في ذلك كله.

وأما حلف الرجل على شيء أن لا يفعله فلا كراهية في ذلك، لأن اللَّه أمر نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالحلف باسمه في غير ما آية فقال: {قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس: ٥٣] وقال: {بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: ٧] ، وكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيراً ما يحلف " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ "، وَلَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ فلا وجه لكراهية ذلك، لأن القصد إلى الحلف بالشيء تعظيم له، فلا شك في أن في ذكر اللَّه عز وجل على وجه التعظيم له أجراً عظيماً.

وقد مضى هذا المعنى في آخر رسم الجنائز والذَّبائح والنذور، من

<<  <  ج: ص:  >  >>