استوت به راحلته لم يره حين أهل في المسجد، ومن قال: إنه أهل بالبيداء لم يره حين أهل في المسجد ولا حين أهل، إذ استوت به راحلته، فمن أخذ بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى الإهلال من جوف المسجد.
[مسألة: محرمين خرجا إلى الحج حتى إذا كانا بالأبواء اتهما بقتل رجل]
مسألة وسمعت مالكا، وسئل عن محرمين خرجا إلى الحج حتى إذا كانا بالأبواء أو بالجحفة اتهما بقتل رجل وجد قتيلا، فأخذا فردا إلى المدينة، فحبسهما عامل المدينة، فأتى إلى مالك فيهما وأخبر بأنهما محرمان، وأنهما قد حبسا، قال مالك: لا يحلان حتى يأتيا البيت فلا يزالان محرمين حتى يطوفا بالبيت ويسعيان، وأراهما مثل المريض.
قال محمد بن رشد: زاد في النوادر عن مالك أو يثبت عليهما ما ادعي عليهما فيقتلان، وهو تمام المسألة، وإنما رآهما مثل من أحصر بمرض؛ لأنهما إنما حبسا بالحكم الذي أوجبه الله، فكان بمنزلة المرض الذي هو من عند الله، ومذهبه أن المحصر بمرض لا يحل من شيء من إحرامه حتى يطوف بالبيت، فإن بقي على إحرامه إلى حج قابل، فحج به لم يكن عليه هدي، وإن حل بعمرة حج قابل كان عليه قضاء الحج وهدي عن تحلله من إحرامه بالعمرة ينحره في حج القضاء؛ لقوله عز وجل:{فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة: ١٩٦] ، {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: ١٩٦] ، فهذا الهدي على مذهب مالك هو الهدي الأول، وعند عروة بن الزبير، وابن شهاب، وجماعة من العلماء أن الهدي الأول غير الثاني، وأن الأول يحل له لبس الثياب، وإلقاء التفث وهو في موضعه إذا وصل الهدي