مسألة وسئل ابن القاسم: ما تكافؤ البينة؟ قال: أن يكونوا في العدالة سواء، ولا ينظر إلى الكثرة من القلة، قيل: أريت إن كان لي شاهد عدل، وجاء صاحبي بشاهدين عدلين إلا أن شاهدي أعدل من الشاهدين؟ قال: يقضى بالشاهد الواحد مع يمين صاحب الحق، ولا يلتفت إلى شهادة الشاهدين وإن كانا عدلين.
قال محمد بن رشد: هذا معلوم من قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة وغيرها أن الترجيح بين البيتين إنما يكون بكثرة العدالة لا بكثرة العدد، وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك: أن البينتين إذا استوتا في العدالة، وإحداهما أكثر من الأخرى، قضى بالأكثر عددا، إلا أن يكون الأقل عددا كثيرا يكتفي بهم الحاكم فيما يلتمس من الاستظهار، فهنالك لا تغني كثرتهم شيئا، ويكون استواؤهم في العدالة كما لو لم يشهد فيه أحد، فإن كان الشيء المشهود فيه بيد أحد المدعيين أقر بيده، وإن لم يكن بيد واحد منهما استحلفا جميعا، وقسم بينهما بعد الاستيناء إن كان مما يرى الحاكم الاستيناء فيه، ومن أهل العلم من لا يرى الترجيح أصلا، لا في العدالة ولا في العدد، ويقول: إذا شهد شاهدان عدلان ممن تنقطع بهما الشهادة لو لم يكن غيرهما، فهما ومن هو أعدل منهما، وأكثر عددا من البينة بمنزلة سواء؛ لأنهما قد أحقا لمن شهدا له ما أحقه أولئك الذين هم أعدل وأكثر، وهو قول المخزومي، قال ابن حبيب: ولو أخذ أحد بهذا ما أخطأ.
وأما قول ابن القاسم: إنه يقضى بالشاهد الواحد مع يمين صاحب الحق إذا كان أعدل من الشاهدين، فهو خلاف قوله في سماع أصبغ عنه من كتاب الدعوى والصلح، وخلاف ما حكاه ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون، من أن الشاهدين إذا كانا عدلين أحق من اليمين مع الشاهد الذي هو أعدل أهل زمانه، وهو الأظهر؛ إذ من أهل العلم من لا يرى الحكم باليمين مع الشاهد أصلا، ومن لا يرى الترجيح بين البينتين أصلا، فالقول بأنه يقضى بالشاهد الواحد مع يمين صاحب الحق إذا كان أعدل من