فيه، ولا لرواية يحيى هذه، وإنما الخلاف بين هذه الرواية، ورواية أصبغ في كتاب الغصب. ويتحصل في المسألة ستة أقوال؛ أحدها: أن الشهادة باطل، لا توجب حكما. والثاني: أنها توجب الشهادة على المشهود عليه. والثالث: أن البينة تستنزل إلى ما لا يشك فيه. والرابع: أن القول قول المغصوب منه. والخامس: أن القول قول الغاصب، إلا أن يأتي بما لا يشبه، فيكون القول قول المغصوب منه، على ما وقع في رواية يحيى هذه. والسادس: الفرق بين أن يشهد الشهود على الأرض بعينها، ولا يعرفون حدودها، وبين أن لا يعينوا الأرض، وإنما يشهدون أنه غصبه في القرية أرضا لا يعرفونها، وبالله التوفيق.
[مسألة: يدعي القرية فيستحقها بالعدول ثم يحوز الشهود غيرها]
مسألة قال: وسئل عن الرجل يدعي القرية فيستحقها بالعدول، فلما أمر الشهود أن يحوزوا ما شهدوا له عليه، حازوا القرية بحدودها، وقرية إلى جنبها في أيدي قوم لم يخاصموا، فقال: القوم الذين حيز ما في أيديهم، ممن لم يخاصم: نشهد أن الذي في أيدينا، والذي قضى به لفلان، ليس لنا فيه شيء، ولا للمقضي عليهم، ولا للمقضي له، ولكنه كله يجوز حدوده لرجل ذكروه غائب تركه في أيدي آبائنا أجمعين إرفاقا منه لهم، يريدون أباهم وأبا المقضي عليهم، والمقضي له، وهم عدول غير متهمين، أتجوز شهادتهم أم لا؟ قال: لا شهادة لهم؛ لأنهم مرتفقون، يجرون إلى أنفسهم بشهادتهم، ويريدون أن يقر بأيديهم ما أرفقوا به، فشهادتهم عندي غير جائزة.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إن الشهادة غير جائزة؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجوز شهادة خصم، ولا ظنين، ولا جار لنفسه» ، وبالله التوفيق.