قال محمد بن رشد: قد بين في الرواية وجه منعه من أن يستتر بالخيل والبغال والحمير، ولو استتر بشيء من ذلك لكان له سترة تدفع الحرج عمن يمر أمامه وكان هو قد أساء، ولم تجب عليه إعادة؛ لأنه بمنزلة من صلى وأمامه جدار مرحاض أو كافر أو جنب وما أشبه ذلك.
[مسألة: الرجل يصلي في سقائف مكة من الشمس وبينه وبين الناس فرج]
مسألة وسئل مالك عن الرجل يصلي في سقائف مكة من الشمس وبينه وبين الناس فرج، قال أرجو أن يكون ذلك واسعا، وليس كل الناس سواء، وحر مكة شديد، ولقد وضع عمر بن الخطاب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثوبه فسجد عليه من شدة الحر، فقيل له: فإن كان رجل يطيق أن يصلي في الشمس ويحمل ذلك أترى أن يتقدم؟ قال نعم.
قال محمد بن رشد: خفف مالك للرجل أن يصلي وحده في السقائف ويترك التقدم إلى الفرج التي في صفوف الناس لموضع الضرورة، ولو فعل ذلك من غير ضرورة لكان قد أساء وصلاته تامة على المشهور من قول مالك.
وقد روى ابن وهب عن مالك أن من صلى خلف الصف وحده أعاد أبدا، وذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم، لما جاء في ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما قد ذكرناه في أول رسم "شك في طوافه ".
ولو كان معه في السقائف غيره ولم يكن منفردا فيها وحده لكانت صلاته جائزة بإجماع. وكلما كثر عدد القوم الذين يكونون معه في السقائف كانت الكراهة له في الصلاة معهم وترك التقدم إلى الفرج التي في الصفوف أخف.
وقد روى أشهب عن مالك في رسم "الصلاة" الأول أنه سئل عمن دخل من باب المسجد فوجد الناس ركوعا وعند باب المسجد ناس يصلون ركوعا وبين يديه الفرج أيركع مع هؤلاء عند باب المسجد أم يتقدم إلى الفرج؟ قال: أرى أن يركع مع هؤلاء عند باب المسجد فيدرك الركعة، إلا أن يكونوا قليلا فلا أرى أن يركع معهم،