عبد الحكم يقول: إن ذلك لا يلزم المودع وإن كان قوله على وجه الشرط ويحلف ويبرأ، فإن نكل عن اليمين حلف رب المال وأخذ تمام وديعته، ووجه قوله: أنه عذر المودع بما اعتذر به من أنه إنما قال ذلك لئلا يقطع به عن سفره، ولو رد عليه اليمين دون سبب للزمه ذلك قولا واحدا، وإنما يختلف إذا نكل عن اليمين، فقال: لا أحلف، ولم يصرح بردها على المدعي ثم أراد أن يحلف بعد ذلك، هل يكون ذلك له أم لا؟ على قولين، وأهل المشرق لا يرون رد اليمين على المدعي، فإذا نكل المدعى عليه عندهم عن اليمين كان نكوله كالإقرار ولزمه الحق، وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: إنما يصح هذا الجواب على أن الوديعة كانت ببينة، أو على قول من رأى اليمين على المودع إذا انتقصت الوديعة، فإن لم تكن ببينة فكأنه رضي برد اليمين على المودع فلزمه ذلك، ولم يكن له عنه رجوع، وهو غير صحيح؛ لأنه لا خلاف في وجوب اليمين على المودع في دعوى النقصان إن لم يكن على الوديعة بينة، ولا في أن الغرم يلزمه دون أن يحلف رب الوديعة إذا كانت عليها بينة، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال هذه المائة وديعة عندي لفلان أو لفلان]
مسألة وسئل: عن الرجل يستودع الرجل ثلاثين دينارا وبين يديه ثلاثون دينارا فيجعلها في قرب التي بين يديه، فتذهب منها عشرة فلا يدري من أي ذهبت؟ قال: عليه أن يدفع إلى المستودع ثلاثين تامة.
قال محمد بن رشد: قوله: لا أدري من أين ذهبت - معناه: لا أدري الثلاثين التي ذهبت منها العشرة أن كانت في المودعة أو التي كانت بين يديه، إذ لو عرف المودعة من التي كانت بين يديه لعرف من أين ذهبت بوجودها ناقصة إذا وزنت، وجوابه هذا في هذه المسألة إنما يصح على قول من قال، في رجل قال: هذه المائة وديعة عندي لفلان أو لفلان: أنه يغرم لهما مائتين مائة لكل واحد منهما. وأما على قول من قال: إنهما يحلفان جميعا