ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك عن رجل حبس دارا له حبسا في ثلثه لم يجعل لها مخرجا فكيف ترى أن تقسم؟ قال: أرى أن تقسم على ذوي الحاجة، قيل فإن له ولد محتاجين وأغنياء أفترى أن يعطوا منها؟ قال: لا، ولكن أرى أن يعطي المحتاجين منهم منها مع غيرهم من المحتاجين.
قال محمد بن رشد: مثلُ هذا في المدونة وفي رسم لم يدرك من سماع عيسى أن من حبس حبسا ولم يجعل له مخرجا فسبيله أن يكون حبسا على الفقراء والمساكين، وقوله في الدار المحبسة على هذا السبيل إنهَا تقسم على ذوي الحاجة، يريد يُقْسَم سُكْنَاهَا عليهم، ومن حصل في مسكن منها لم يخرج منه لغيره إِلَّا أن يستغنى، وقوله: إنه يعطي ولده المحتاجون منها مع غيرهم من المحتاجين صحيح؛ لأن الميت لم يُوصِ بذلك فتكون وصيته لوارث، وإنما هذا أمر يفعله الناظر في تنفيذ الوصية باجتهاده، وسواء كانوا يوم أوصى بالتحبيس محتاجين أو أغنياء ثم احتاجوا بعد ذلك لأنها إنما ردت إلى المساكين بالحكم فوجب أن يستوي في ذلك ورثته وغيرُهم، كمرجع الحبس، ولو أوصى بِتحبيسها على المساكين لكان الحكم في ذلك حكم من أوصى بصدقة ثلث ماله على المساكين فلم يقسم حتى افتقر بعضُ ورثته أو كانوا فقراء، فقال مطرف: إنهم يعطون من الثلث في الحالتين، وقال ابن القاسم في رواية أصبغ عنه: إنهم لا يعطون من الثلث شيئا في الحالتين أيضا، وفرق ابنُ الماجشون بين الحالتين فقال: إن كانوا يوم أوصى مساكينَ لم يُعْطَوا منه؛ لأنه أوصى وَهُوَ يعرف حالهم، فكأنه قد أزاحه عنهم، وإن كانوا يوم أوصى أغنياء ثم افتقروا أُعْطُوا منه.
ولو حبس في صحته أصلا يجري غلته على المساكين لأعطى ورثته