ولا يغار عليهم - يريد حتى يؤذنوا، أي حتى يعلموا أنهم إنما يقاتلونهم على الدين، لا على الغلبة - وإن كانت دعوة الإسلام قد بلغتهم؛ إذ قد يجهلون ما يقاتلون عليه، فاستحب إذا دخلوا أرض الروم فأتوا حصنا لهم، أن يمسكوا عن الغارة عليهم حتى يدعوهم إلى الإسلام؛ وذلك حسن، لا سيما إن طمعوا أن يجيبوهم إليه، ويدخلوا فيه، وإنما استحب ذلك ولم يوجبه، لاحتمال أن يكونوا قد علموا أيضا على ما يقاتلون، والاستحباب يرجع إلى نفي الوجوب، وهو أحد قولي مالك في المدونة؛ وقد قال يحيى بن سعيد: فيها إن ذلك من الحق عليهم، وسيأتي في أول نوازل أصبغ بيان هذه المسألة - إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق.
[مسألة: اللينة ماهيتها وهل يجوز قطعها]
مسألة قال مالك في قوله تعالى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}[الحشر: ٥]- الآية. قال: اللينة ما سوى العجوة من الثمار من الألوان.
قال محمد بن رشد: قد قيل في اللينة إنها لون من النخل، روي ذلك عن ابن عباس، وقال مجاهد: اللينة النخل كلها: العجوة وغيرها. ويشهد بصحة قول مالك، ما روي عن ابن عباس وغيره: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقطع نخل بني النضير إلا العجوة، وذلك لأنها كانت قوتهم الذي يعتمدون عليه، وهي التي جاء الحديث في فضيلتها: قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العجوة من الجنة» ، وثمرها يغذو ما لا يغذو غيره - والله أعلم، فشق ذلك عليهم وقالوا: أنتم تزعمون أنكم تكرهون الفساد وهذا من الفساد، دعوا النخل لمن غلب، فأنزل الله تعالى الآية بتصويب فعل