ولا قصد الالتذاذ اتباع ظواهر الآثار التي جاءت في إيجاب الوضوء من القبلة مجملة دون تفصيل، وكأنه يعد عنده أن لا يكون التذ بها. وقوله بإثر ذلك: فمس ساقها أو عضدها أترى عليه الوضوء؟ قال: نعم إلا أن لا يجد لذلك لذة شيئا، معناه أنه مس ذلك منها لحاجة على غير شهوة ولا إرادة لذة؛ بدليل احتجاجه على ذلك بقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كنت أغرف أنا ورسول الله من إناء واحد» . وموضع الحجة في ذلك أنهما إذا كانا يغرفان من إناء واحد قد تتماس أيديهما فيتماديان على وضوئهما ولا يبتدئانه. فلو قال في جواب المسألة قال: لا إلا أن يجد لذلك لذة شيئا لكان أليق وأولى، وإن كان ذلك عند الاعتبار والتحقيق سواء. ولما ذكر قول عائشة زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كنت أغرف أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء واحد» تذكر قول من يقول في الرجل والمرأة: إنه لا يتوضأ أحدهما من فضل وضوء صاحبه، فقال: ولا خير في هذا التقزز والتنجس إنما هو من الشيطان إلى آخر قوله. وقد مضى له نحو هذا والقول عليه في رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة" من سماع ابن القاسم.
[الرجل يكثر عليه المذي أيتوضأ لكل صلاة]
مسألة وسئل مالك فقيل له: أرأيت رجلا قد كثر عليه المذي فليس يفارقه منذ كذا وكذا سنة لا يفارقه، أيتوضأ لكل صلاة؟ قال: بلغني أن سعيد بن المسيب كان يقول: لو سال على فخذي ما انصرفت. فقيل لمالك: فما تقول أنت؟ قال: أرى أن يترك هذا ولا يلتفت إليه، فإن هذا من الشيطان، وأرجو أن يكون في تركه ذلك قطع [له عنه] وقد كان من مضى يأمرون إذا كثر مثل هذا أن يترك