أبكاها، ثم قال: والله لئن استطعت لأشاركنهما بمثل عيشهما لعلي أدرك معهما الرخاء. وسيأتي في رسم طلق بن حبيب أنه كان يحشف له الصاع من التمر فيأكله كله، فقيل له: ما يحشف؟ قال: يأكله بحشفه، والمعنى في ذلك، والله أعلم: أنه كان يحشف له فيكره ذلك من فاعله لما كان عليه من الخشونة في مطعمه وملبسه، ويأكله بحشفه، وهو نحو ما في الموطأ، وبالله التوفيق.
[يضعف عن حمل العلم على وجهه]
في الذي يضعف عن حمل العلم على وجهه قال مالك: كنت أسمع ربيعة بن عبد الرحمن يقول: إن الرجل لتجده صالحا صائما مصليا رجل صدق وعابدا، وآخر ضعيفا ليس فيه محمل لهذه الأشياء، ويضعف عن العلم أن يحمله ويخاف أن يحمله على غير وجهه، فهو عندي خير من هذا الذي حمل الفقه، قال: ورأيت مالكا يعجبه قول ربيعة ويقول: صدق، يسمع الشيء فيضعف عن وجه حمله فيفتي به الناس ويحملهم عليه وقد أخطأ في ذلك؟ وقال: مثل فلان.
قال محمد بن رشد: ما قاله ربيعة واستحسنه مالك صحيح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:«إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من القلوب، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» ، فمن نظر في العلم وضعف عن حمله على وجهه وأفتى الناس بتأويله إياه على غير وجهه يخشى ألا يقوم ما عليه من الوزر في ذلك بما له من الأجر والثواب في صلاته وصيامه وعبادته، وبالله التوفيق.