إنه يقطع ويبتدئ بخلاف ما فعل الصحابة يدل على أنه لم ير الحكم منسوخا عنهم إلا بوصول العلم إليهم، إلا أن يفرق بين الموضعين، فإنهم وإن كان الحكم منسوخا عنهم بنفس ورود النسخ قبل دخولهم في الصلاة، فلم يكن منهم تقصير، بخلاف الذي اجتهد في القبلة فبان له بعد الدخول في الصلاة أنه على غير القبلة، وقد اختلف فيمن صلى إلى غير القبلة مستدبرا لها، أو مشرقا أو مغربا عنها، ناسيا أو مجتهدا، فلم يعلم حتى فرغ من الصلاة، فالمشهور في المذهب أنه يعيد في الوقت من أجل أنه يرجع إلى اجتهاد من غير يقين، وقيل: إنه يعيد في الوقت وبعده، وهو قول المغيرة وابن سحنون، كالذي يجتهد فيصلي قبل الوقت، وكالأسير يجتهد فيصوم شعبان، وقاله الشافعي إذا استدبر القبلة. وذكر عن أبي الحسن القابسي أن الناسي يعيد أبدا بخلاف المجتهد. وأما من صلى إلى غير القبلة متعمدا أو جاهلا بوجوب استقبال القبلة، فلا اختلاف في وجوب الإعادة عليه أبدا، وكذلك من صلى بمكة إلى غير الكعبة وإن لم يكن مشاهدا لها فهو كالمشاهد لها في وجوب الإعادة عليه أبدا، من أجل أنه يرجع إلى يقين يقطع عليه، إذ يمكنه أن يصعد على موضع يرى الكعبة منه فيعلم بذلك حقيقة القبلة في بيته. واختلف فيمن صلى بمكة إلى الحجر، فقيل: لا تجزئه صلاته؛ لأنه لا يقطع أنه من البيت، وقيل: تجزئه صلاته؛ لتظاهر الأخبار أنه من البيت، وذلك في مقدار ستة أذرع منه؛ لأن ما زاد على ذلك ليس من البيت، وإنما زيد فيه لئلا يكون مركنا فيؤذي الطائفين، وبالله التوفيق.
[مسألة: رفع المصلي صوته بالقراءة في المسجد]
مسألة
[في رفع المصلي صوته بالقراءة في المسجد] قال مالك: وكان عمر بن عبد العزيز يخرج في الليل- أراه