يبق أحد منهم إلا أردف غلاما خلفه، وكان عمر وعثمان يردفان، فقلت له: يا أبا عبد الله إرادة التواضع؟ قال: نعم، والتماس أن يحمل الراجل، وذكر ما أحدث الناس من أن يمشوا غلمانهم وعاب عليهم ذلك.
قال محمد بن رشد: في هذا تواضع الأمراء، ومن تواضع لله رفعه الله، وترك احتقار يسير الأجر، لقول الله عز وجل:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}[الزلزلة: ٧]{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: ٨] . وقد مضى هذا فوق هذا، وبالله التوفيق.
[أول من استقضى]
في أول من استقضى وسئل مالك من أول من استقضى؟ فقال معاوية بن أبي سفيان، فقيل له: فعمر؟ فقال لا، فقال له رجل من أهل العراق: أفرأيت شريحا؟ قال: كذلك يقولون. ثم قال لهم: كيف يكون هذا أيستقضى بالعراق ولا يستقضى بغيرها؟ قالوا له: أما مكانه فكان يجري، قال فالشام واليمن وغير ذلك من البلدان لم يستقض فيها واستقضى بالعراق، قال: ليس كما تقولون.
قال محمد بن رشد: هذا بين من قول من قال إن معاوية لم ينقص قاضيا، وهو نحو ما مضى في رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس، وخلاف ما يدل عليه ما تقدم في رسم طلق بن حبيب. وقد مضى الكلام على ذلك في الموضعين.