قال محمد بن رشد: رضي الله عن عبد الرحمن بن عوف، فإن الذي دعا به أحسن ما يدعى به؛ لأن فيه جماع الخير كله من بذل المال في ذات الله تعالى، وإتعاب الأنفس والجوارح في العبادات كلها من الصيام والصلاة والحج والجهاد وسائر أعمال الطاعات؛ لأن في تقصير العبد في شيء من ذلك إبقاء على نفسه وترفيها له عنها، فإذا لم يشح بنفسه وجسمه في ذلك بلغ الغاية في جميع الأعمال والعبادات، كما أنه إذا لم يشح بماله بذله لله في مرضاته.
[مسألة: عيسى ابن مريم ما قتل ولا صلب وأن الله رفعه إليه]
مسألة قال: وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما» ، قال مالك: أراد في رأيي ليجمعنهما.
قال محمد بن رشد: قد أعلم الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن عيسى ابن مريم ما قتل ولا صلب، وأن الله رفعه إليه، أخبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إخبارا وقع العلم به أنه سينزل في آخر الزمان حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد. وفي بعض الآثار: فيهلك الله في أيامه الملل كلها، فلا يبقى إلا الإسلام، وتقع الأمنة في الأرض حتى يرتع الأسد مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، والغلمان بالحيات فلا يضر بعضهم بعضا. فهذه الأحاديث يعضد بعضها بعضا، ويشهد بصحته ما حكاه مالك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.