معنى فرقانا: نصر، وقيل: نجاة، وأحسن ما قيل في ذلك أن المعنى فيه فصلا بين الحق والباطل، حتى يعرفوا ذلك بقلوبهم ويهتدوا إليه؛ لأن الفرقان في لسان العرب مصدر من قولهم فرقت بين الشيء والشيء أفرق فرقا وفرقانا. وأما قول الله عز وجل {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق: ٢] ، فمعناه: يجعل له من أمره مخرجا، وذلك أنه إذا اتقى الله فطلق كما أمره الله ولم يطلق ثلاثا كان له مخرجا بالارتجاع الذي يملكه في العدة وبالخطبة التي هي له مباح بعد العدة، وقد روي: أن الآية نزلت في رجل من أصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقال له عوف بن مالك الأشجعي كان له ابن أسره المشركون، فكان يأتي إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليشكو إليه مكان ابنه وحالته التي هو بها أو حاجته، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمره بالصبر، ويقول له: إن الله سيجعل له مخرجا، فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا فانفلت من أيدي العدو فمر بأغنام لهم فاستاقها فجاء بها إلى أبيه وجاء معه بعثا قد أصابه من الغنم، فنزلت فيه:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق: ٢]{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: ٣] ، فمن اتقى الله عز وجل وهو في شدة من أمره جعل الله له منه مخرجا على ما في سورة الطلاق، وإن كان في حيرة جعل الله له فرقانا، أي: فصلا يبين له به الحق من الباطل، والصواب وفيما تحير فيه على ما في سورة الأنفال.
فتأويل من تأول لكل آية منها معنى غير معنى الأخرى أولى ممن صرفهما إلى معنى واحد على ما ذهب إليه مالك، والله تعالى أعلم.