في الأدب في الأكل وسُئل مالك: عن رجل يأكل في بيته مع أهله وولده، فيأكل معهم فيما بينهم، ويَتناول ذلك من أَيديهم، قال: لا بأس بذلك، وسُئل مالك: عن القوم يأكلون في مثل الحرس، فيتناول بعضهم بين يدي بعض، وبعضهم يتوسع لبعض. قال: لا خير في ذلك، وليس هذا من الأخلاق التي تعرف عندنا.
قال محمد بن رشد: إنَّما لم ير بأساً إذا أكل الرجل في بيته مع أهله وولده، مما يليهم؛ لأن الرجل لا يلزمه أن يتأدَّب مع أهله وولده في الأكل، ويلزم أَهله وولده أن يتأدّبوا معه فيه، وعليه هو أَن يأمرهم بذلك على ما جاءت به السنّة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في قوله لربيبه عمر بن أبي سلمة:«سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» ، وكذلك الرفقاء إذا اجتمعوا في الأكل يلزم أن يتأدَّب كل واحد منهم في أكله مع صاحبه، فلا يأكل إلَّا مما يليه على ما قاله مالك في القوم يأكلون في مثل الحرس أَو في مثل الجريش على ما وقع في بعض الكتب. وهذا في الطعام الذي صفته واحدة، لا تختلف أغراض الآكلين فيها كالثريد واللحم وشبهه، وأما الطعام المختلف الذي تختلف أغراض الآكلين فيه، فلا بأس أن يتناول بعضهم ما يعجبه منه، وإن كان يلي غيره. وقد جاءت به السنّة. رُويَ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ عِكْرَاشٍ بْنِ ذُؤيْبِ قَالَ: «بَعَثَنِي بَنُو مرةَ بن عُبَيْدٍ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدْتُهُ جَالِساً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ فَأَتَيْتُهُ بِإِبلٍ كَأَنَّهَا عُرُوقُ الأرطى فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: عِكْرَاشُ بْنُ ذُؤيْبٍ، فَقَالَ: ارْفَعْ فِي النَّسَبِ، فَقُلْتُ: ابْنِ حُرْقُوصٍ بْنِ جعْدةَ بْنِ عَمْرِو بنِ النزال بنِ مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ. وهَذه صَدَقَاتُ بَنِي مُرةَ بن عُبَيدٍ، فَتَبَسَّمَ