قال الإمام القاضي: قد مضى تفصيل القول في حكم الكلأ وما يجوز من بيعه ومنعه، وموضع الاختلاف في ذلك والاتفاق فيه في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، والحكم في الحطب كالحكم في الكلأ سواء على التفصيل الذي ذكرنا فيه. وأما الماء فالكلام إنما هو في فضلته، فما كان في ملك الرجل منه فاختلف هل له أن يمنع فضلته من جاره فيما يريد من ابتداء الانتفاع أم لا على ثلاثة أقوال: أحدها أن له أن يمنعه إياها إلا بثمن يواجبه عليها، وجدلها ثمنا عند سواه أو لم يجد، وهو المشهور في المذهب، والثاني أنه ليس له أن يمنعه إياها إلا أن يجد لها ثمنا عند سواه، فإن لم يجد لها ثمنا عند سواه لم يكن له أن يحبسها عنه وهو لا يحتاج إليها، والقول الثالث أنه ليس له أن يمنعه إياها بحال، ولا أن يأخذ فيها ثمنا من أحد، وهو الذي ذهب إليه يحيى بن يحيى على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمنع نقع بئر ولا يمنع رهو ماء» ، وهذا كله في العين أو البئر التي تكون في أرض الرجل ولا ضرر عليه في الدخول إلى الاستقاء منها، وأما البئر تكون في دار الرجل أو في حائطه الذي قد حظر عليه فله أن يمنع من الدخول عليه في ذلك، وقد مضى في رسم البراءة من سماع عيسى القول في منع الرجل فضلة مائه ممن يريد أن يسقي به شجرا أو نخلا قد تقدم غرسه لها فلا معنى لإعادة ذكر ذلك، ومضى في رسم الأقضية الأول من سماع أشهب حكم مياه آبار المواشي التي تحتفر في المهامه فلا معنى لإعادة ذكر ذلك أيضا، وأما النار فلا اختلاف في أنه لا يجوز لأحد أن يمنع من الاقتباس منه إذ لا ضرر عليه في ذلك، ولا يجوز لأحد أن يمنع أحدا ما ينتفع به إذا كان ذلك لا يضر به لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضرر والضرار، وبالله التوفيق.
[مسألة: المسرح لأهل القرية التي هو في حوزها إن تداعى فيه أهل قريتين]
مسألة قلت لابن القاسم: أرأيت المسارح تكون في بعض القرى