في ترك محمد بن مسلمة الدخول في الفتنة قال مالك: كان يحيى بن سعيد يحدث أن محمد بن مسلمة صاحب النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيره لما كانت الفتنة اعتزلوا، فنزل محمد الربذة، فجاءه ناس من أهل العراق فجعلوا يحضونه ويقولون: تقوم بالناس وتنظر في أمورهم يحرضونه بذلك، فقال لأحدهم: قم إلى غمد سيفي هذا فسل سيفي منه، فقام فوجده قد كسره قطعة قطعة، فقال: إن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لي:«إذا رأيت من الأمور فاكسر سيفك على حجر من الحرة والزم بيتك وعض على لسانك» .
قال محمد بن رشد: محمد بن مسلمة هذا الأنصاري الخزرجي من فضلاء الصحابة، شهد بدرا وسائر المشاهد، وهو أحد الذين قتلوا كعب بن الأشرف، واستخلفه رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض غزواته على المدينة، فاعتزل الفتنة ولم يشهد الجمل ولا صفين. وروي أنه إنما اتخذ سيفا من خشب وجعله في جفن وذكر أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بذلك. والذي فعل من ذلك هو كان الواجب عليه بما كان عنده فيه عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والذين اعتزلوا الفتنة من الصحابة سواه على ما روي ثلاثة: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، لم تبن لهم البصيرة في اتباع إحدى الطائفتين فكفوا؛