للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معلوم، نأكل كل يوم رطلين أو ثلاثة، نشترط عليهمِ أن ندفع الثمن إلى العطاء. يدل على أن ذلك كان معلوماً عندهم مشهوراَ من فعلهم، لاشتهار ذلك من فعلهم، سميت بيعة أهل المدينة، وهذا أجازه مالك وأصحابه، اتباعاً لما جرى عليه العمل بالمدينة بشرطين: أحدهما أن يشرع في أخذ ما سُلم فيه، والثاني أن يكون ذلك أصل المسلم إليه على ما قاله غير ابن القاسم في سماع سحنون، من كتاب السلم والآجال، فليس ذلك بسلم محض، ولذلك جاز تأخير رأْس المال فيه، ولا شراء شيء بعينه حقيقة، ولذلك جاز أن يتأخر قبض جميعه إذا شرع في قبض أوله.

وقد روي عن مالك أنه لم يجز ذلك، ورآه ديناً بدين. وقَال: تأويل حديث ابن المحبر أن يجب عليه ثمن ما يأخذ كل يوم إلى العطاء، وهو تأويل سائغ في الحديث، لأنه إِنَّما سمى فيه السوم ولم يأخذه في كل يوم، ولم يذكر عدد الأرطال التي اشترى منه، فلم ينعقد بينهما في ذلك بيع على عدد مسمّى، من الأرطال، فكلما أخذ منه شيئاً وجب عليه ثمنه إلى العطاء ولا يلزم واحداً منهما التمادي على ذلك، إذا لم يعقد بيعهما على ثمن معلوم مسمى من الأرطال، وإجارة ذلك مع تسمية عدد الأرطال التي يأخذ منها في كل يوم رطلين أو ثلاثة، على الشرطين المذكورين هو المشهور في المذهب. وقوله في هذه الرواية: وَأَنا أرى ذلك حسناً، معناه: وأنا أجيز ذلك استحساناً اتباعاً لعمل أهل المدينة. وإن كان القياس بخلافه. وبالله التوفيق.

[حكاية عن سعيد بن المسيب]

قال مالك: بعث رجلٌ إلى سعيد بن المسيب بخمسة آلاف درهم، وكان أموياً، فجاءه الرسول وهو يحاسب غلاماً له في نصف درهم، يذكر أنه له قِبَله، فعرض عليه الخمسة الآلاف فأبى أن يقبلها، فعجب الرسول منه فقال: أنا أعطيك خمسة آلاف وأَنت تحاسب في نصف الدرهم، قال: النصف درهم هو أحب إلي من هذه الخمسة الآلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>