للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوقي في الفتوى]

في التوقي في الفتوى قال وحدثني عن بعض أصحاب مالك قال: كنا عنده جلوسا إذ أتاه ابن أبي حازم فأدناه وقربه وأقبل عليه بكلامه وحديثه، ثم قال له: يا ابن أبي حازم، إذا جاءك أحد فإن قدرت أن تنجي نفسك قبل أن تنجيه فافعل. وحدثنا عن ابن وهب أنه قال: لما ودعت مالكا قال لي: لا تجعل ظهرك للناس جسرا يجوزون عليه إلى ما يحبون، فإن أخسر الناس من باع آخرته بدنيا غيره.

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، وهو مثل أن يستفتي العالم الرجل من إخوانه في أمر يرجو أن يجد عنده فيه رخصة، وذلك الأمر مما تعارضت عنده فيه الأدلة في الحظر والإباحة، وفي وجوب شيء وسقوطه، فيغلب من الدلائل ما يوجب إباحة المحظور أو سقوط الواجب ويفتيه بذلك، فينقلب عنه مسرورا بما أفتاه به ورخص له فيه، ويبقى هو مشغول البال بذلك. وقد قال عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لرجل أفتى في الرضاعة بشيء كأنه يقول لم يرها إلا من قبل الأم: لا تفت بفتوى لا تتقلب من الليل على فراشك إلا ذكرته. وقعت هذه الحكاية في سماع ابن القاسم من كتاب الرضاع. وسأل ابن وهب مالكا عن الذي يجعل على نفسه صيام الإثنين والخميس فيمرض أو يمر به الإثنين والخميس وهو يوم فطر أو أضحى، فقال: أرى أن يقضي بعد ذلك إلا أن يكون نوى الفطر إذا مرض وإذا مر به الفطر والأضحى، وقال: إنه يقال إن أخسر الناس من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره، ومعناه في القاضي والمفتي، وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>