قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن بيع الجزاف رخصة وتوسعة وسع فيه لطرح مئونة الكيل فيما يكال، والوزن فيما يوزن، أو العد فيما يعد، فإذا كان الشيء المعدود كثيرا لا مئونة في عدده، لم يجز بيعه جزافا؛ لأن ذلك قد يئول إلى الغرر، إذ لا مكونة في عدده، وبالله التوفيق.
[يشتري الزيت من الرجل ويسقط الإناء الذي يكيل به على إناء المشتري]
ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع وسئل: عن الرجل يشتري الزيت من الرجل، فبينما البائع يكيل للمشتري بعد أقساط قد كالها وجعلها في إناء المشتري، إذ سقط العيار الذي يكال به من يد البائع على إناء المشتري، فكسره وذهب ما فيه، وما كان في المكيال بعد ما امتلأ المكيال، وأراد صبه في الإناء، فقال: أما ما كان في المكيال، فهو من البائع، وما كان في الإناء فضمان مكيلته من البائع الذي كسره بفعله؛ فإن بقي عند البائع من الزيت الذي كان اشترى منه المشتري، أوفاه ما بقي عليه من الزيت؛ وإن كان فنسي، حاسبه ورد عليه ما بقي من ذهبه ولم يضمن له غرم ما كان في المكيال، ولكن يرد عليه ما يصبه من الثمن لفناء الزيت من يده، قلت: أرأيت إن كان البائع أمكن المشتري من المكيال يكتال لنفسه، فلما أن أوفاه هذا الكيل، سقط من يد المشتري على إناء نفسه فكسره؛ قال: أما ما كان في الإناء، فهو أتلفه على نفسه؛ وما كان في المكيال، فضمانه من البائع؛ لأنه لا ضمان على المشتري فيما يشتري بالكيل حتى يقبضه، وليس القبض أن يملأ له الكيل، ولكن القبض أن يجعله في إناء المشتري أو يصبه حيث أمره؛ ولا يضمنه من أجل أنه كان يكتال لنفسه؛ لأنه في ذلك مؤتمن حتى يصل إليه؛ قلت: أرأيت إن استأجرا جميعا رجلا أو استعاناه للكيل