يستشيره في الفتوى فسأله أتراني أهلا لذلك؟ قال إن كنت عند الناس كذلك، ورأوك أهلا لذلك فباشر.
قال محمد بن رشد: زاد في هذه الحكاية في كتاب الأقضية أنه قال له: إن رأيت نفسك أهلا لذلك ورآك الناس أهلا لذلك فافعل، وهي زيادة صحيحة لأنه هو أعرف بنفسه، فإذا لم ير نفسه أهلا لذلك فلا ينبغي له أن يفعل، وإن رآه الناس أهلا لذلك، وأما إذا لم يره الناس أهلا لذلك فلا ينبغي أن يفتي وأن رأى هو نفسه أهلا لذلك؛ لأنه قد يغلط فيما يعتقده في نفسه من أنه أهل لذلك، ولا حرج عليه إن فعل إذا علم من نفسه أنه قد كملت له آلات الاجتهاد بأن يكون عالما بالقرآن يعرف ناسخه من منسوخه، ومفصله من مجمله، وخاصه من عامه، عالما بالسنة مميزا بين صحيحها وسقيمها، عالما بأقوال العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار، وما اتفقوا عليه، وما اختلفوا فيه من أهل النظر والاجتهاد، بصيرا بوجه القياس، عارفا بوضع الأدلة في مواضعها، ويكون عنده من علم اللسان ما يفهم به معاني الكلام، فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال مع العدالة والخير والدين صح استفتاؤه فيما ينزل من الأحكام وجاز للعاصي تقليده فيها.
[طلب العلم وتقوى الله]
في طلب العلم وتقوى الله
قال مالك: وكان ابن هرمز يقول إن سأله رجل عن طلب العلم، إن رأيت أنك أهل لذلك فاطلبه وكان يقول: اتق الله بني آدم يحبك الناس وإن كرهوا.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا عندي أنه كان إذا سأله رجل عن طلب العلم أواجب هو عليه أم لا؟ يجيبه بما ذكر من وجوب الأمر في رد ذلك عليه إلى ما يعلم من نفسه، فإن كان من أهل الذكاء والفهم ما ترجى به إمامته تعين عليه من العلم ما يحتاج في خاصته من وضوئه وصلاته وصيامه وزكاته إن كان من أهل الزكاة، وما يحل عليه ويحرم من المحرمات، وما يجوز عليه مما لا يجور في البيع إن كان من أهل التجارات، وبالله التوفيق.