قَبْلَهُ خَيْرٌ مِنْه، فقال مالك: أراه منذ زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، إن عامنا هذا أخصب وأرخص سعرِاً من العام الماضي، فقال: أيهما أكثر فقهاء وقراء وأحدث عهداَ بالنبوة؟ قال: الذي مضى، قال ابن مسعود: ذلك الذي أردت.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين ليس فيه ما يشكل؛ لأن صلاح الزمن وخيره إنما في صلاح أهله وكثرة الخير فيهم، وفساده وشره إنما هو بفساد أهله وشرهم، وقلة الخير والدعة فيهم، والخير والصلاح في الناس بكثرة علمائهم وخيارهم. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الْقُرًونِ قَرْني ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم ثم الَّذِينَ يَلُونَهُم» ، فزمن قرنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير من زمن القرن الذي بعده وزمن القرن الذي بعده خير من زمن القرن الذي يليه، وزمن الذي يليه خير من زمن الذي يليه، وهكذا أبداً؛ لأن الزمن إنما يُمدح بأهله، لا بكثرة الرخاء والخصب فيه، إذ قد يكثر الشر في زمن الرخاء فيكون زمنا مذموماً وتقل المعاصي والشر في زمن قلة الرخاًء والجذب، فيكون زمناً ممدوحاً. فهذا وجه قول ابن مسعود "ما من عام إلا والذي قبله خير منه ". وبالله التوفيق.
[ما يجوز من فتنة المال]
وحدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب لما رأى ما جُلب إليه من المال الذي أفاء الله عليه، فقال: ما ظهر مثلُ هذا قط في أًمةٍ إلا سفكت دماؤها، وقطعت أرحامها، قال مالك: ولا أرى دعاء بما دعا به إلا لما خاف من الفتن، وقد كان يجب أن يعيش في الدنيا ويستمتع منها.