للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإِمام القاضي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما ظهر مثل هذا في أمة إلا سفكت دماؤها وقطعت أرحامها، معناه: أن الناس بما ركب الله فيهم من حب المال والرغبة فيه، والحرص عليه، حسبما ذكره في كتابه حَيثُ يَقُولُ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} [آل عمران: ١٤] يتنافسون فيه ويتقاتلون عليه فيسفكون دماءهم، ويقطعون أرحامهم بسببه.

وقول مالك: ولا أرى دعاء بما دعا به إلا لما خاف من الفتن، يريد: دعاءهُ الذي دعا عند صدره: من مِنا؛ إذ أناخ بالأبطح، فكوم كومة بطحاً ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم مد يده إلى السماء، ثم قال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، واستشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. وما قاله مالك من أَنه إنما دعا بما دعا به لما خافه من الفتن - بيِّن، من قوله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، فإنما تمنى الموت مخافة أن يعيش فيمتحن بالفتن، ويكون منه تضيع أو تفرط فيما يلزمه فيها، إذ هو الخليفة للمسلمين.

وقول مالك: وقد كان يحب أن يعيش في الدنيا، ويستمتع بها، ليس معناه: أنه كان يحب أن يعيش فيها لمجرد التمتع بالشهوات المباحة، وإنما معناه: أنه كان يحب أن يعيش في الدنيا ويستمتع بما يقوى به على طاعة ربه، ويتقرب به إلى خالقه من الصلوات والأعمال الزاكيات، فخيْرُ الناس مَن طال عمره، وحسن عمله؛ لأن زيادة السن زيادة في الفضيلة.

ولهذا يقدم الأسن من الرجلين في الصلاة عند استوائهما في العلم والدين. والدليل على هذا: «قَوْلُ رَسُول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّجُلَيْنِ الأخَوَيْنِ اللَّذَيْنِ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بأرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَذُكِرَتْ فَضِيلَةُ الأوَّل عنْدَهُ فَقَالَ: "ألمْ يَكُنْ الآخَرُ مُسْلِمَاً؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ وَكَانَ لَا بَأسَ بِهِ، قَالَ: "وَمَا يُدْرِيكُم مَا بَلَغَتْ بِهِ صلاَتُهُ بَعْدَهُ؟ إِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>