ظهرا ولا قطع بعدا» أو كما قال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأدخل عمرو بن العاص في خطبته في أثناء الحديث ما أدخل فيه من قوله: خافوا الله خوف من يظن أنه يموت غدا واعملوا عمل من يظن أنه لا يموت إلا هرما، يحضهم بذلك على القليل الدائم، وينهاهم عن الكثير الذي يخشى انقطاعه على ما دل عليه الحديث. فقد كان أحب العمل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يدوم عليه صاحبه. وقال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله لا يمل حتى تملوا أكلفوا من العمل ما لكم به طاقة» . والآثار في هذا المعنى كثيرة، وبالله التوفيق.
[الفتوى ورواية الأحاديث قلما يجتمعان]
في أن الفتوى ورواية الأحاديث قلما يجتمعان قال ابن القاسم وسمعت مالكا يقول: قلما اجتمع في رجل الفتيا والحفظ، يريد رواية الأحاديث.
قال محمد بن رشد: يريد أن الاشتغال برواية الأحاديث والإكثار منها وبحفظها يشغل عن التفقه فيما يحتاج إلى التفقه فيه منها، وهو ما تقتضيه الأحكام والحلال والحرام، فقلما يوجد من يتحقق بالقيام على الوجهين. وقد قال بعض العلماء: ما نظرت قط ذا علم إلا غلبني، ولا ناظرت ذا علمين إلا غلبته. فالتقلل من الروايات مع التفقه فيها أولى من الإكثار منها مع قلة التفقه فيها، فقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» . والذي يروى الأحاديث ولا يتفقه فيها كالحمار يحمل أسفارا وبئس مثل السوء، وبالله التوفيق.