{خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}[الروم: ٢١] ، فليس للرجل أن يغيب عن امرأته المدة التي يضر بها مغيبه عنها، وهي ما فوق الأربعة الأشهر والستة، التي أخبرت حفصة أن المرأة تصبر فيها عن زوجها. فإن فعل فهو آثم، إلا أن تأذن له في ذلك، فإذا خيرها فأذنت له في ذلك، فليس عليه أكثر من ذلك؛ لأنه حقها، فإذا أباحته له وحللته منه، لم يكن عليه فيه إثم.
وقول حفصة هذا هو أصل ما يكتب في شروط الصدقات، من ألا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر، إلا في أداء حجة الفريضة عن نفسه، فإن فعل فأمرها بيدها، ولا يفرق بينهما بمغيبه عنها هذه المدة حتى يطول ذلك، والسنتان والثلاث في ذلك ليس بطويل. قاله في رسم شهد، من سماع عيسى، من كتاب طلاق السنة، وقد مضى القول على هذا المعنى في رسم الشريكين، من سماع ابن القاسم منه، وبالله التوفيق.
[مسألة: الأمة يكون نصفها حرا ونصفها مملوكا فيخطبها عبد فتابا أن تتزوجه]
مسألة وسئل مالك عن الأمة يكون نصفها حرا، ونصفها مملوكا، فيخطبها عبد فتابا أن تتزوجه، فسألها سيدها، فطاوعته على تزويجها، ثم عتقها. أترى لها الخيار؟ قال: نعم، أرى ذلك لها. قال: فقلت له: ألم يكن لها أن تابا، ولا يجبرها سيدها على نكاحها؟ قال: بلى. قلت: فكيف يكون لها الخيار. قال: حالها كحال الأمة، وإنما ذلك بمنزلة ما لو أن أمة ليس فيها عتق، طلبت إلى سيدها أن يزوجها عبدا ففعل فزوجها، فله الخيار. قلت: إن هذه يخيرها سيدها، وإن الأخرى لم يكن سيدها أن يخيرها. قال: بلى، ولكنها في حالها وحدودها. وكشف شعرها في مثل حال شأن الأمة، فلا أرى لها إلا ذلك، وأن يكون لها الخيار.
قال محمد بن رشد: ليس العلة عند مالك في تخيير الأمة إذا أعتقت