من أنه يعلم أن إحدى البينتين صادقة غير صحيح؛ لأنه إذا علم أن إحداهما كاذبة، واحتمل أن تكون كل واحدة منهما هي الكاذبة، احتمل أن تكونا جميعا كاذبتين، وإذا احتمل أن تكونا جميعا كاذبتين، وأن تكون إحداهما صادقة، والثانية كاذبة، لم يصح أن يحكم بأن إحداهما صادقة إلا أن تكون هي أعدل، فيغلب على الظن صدقها، وإلى هذا نحا محمد بن عبد الحكم على ما قد ذكرناه عنه، في نوازل سحنون، ويأتي على قياس قول مطرف وابن الماجشون عن مالك في أن البينتين إذا شهدت إحداهما، بخلاف ما شهدت به البينة الأخرى، واستوتا في العدالة أنه يقضي بما شهدتا به جميعا، أنه يحد حد الزنى، ويقطع في السرقة إذا شهدت إحدى البينتين أنه زنى بمصر يوم عاشوراء، وقالت البينة الأخرى: إنه سرق في ذلك اليوم بالعراق، وهو بعيد جدا، والله الموفق.
[مسألة: صبيين شهدا على صبي أنه قتل هذا الصبي الساعة وشهد رجلان أنه لم يقتله]
مسألة وسئل أصبغ عن صبيين شهدا على صبي أنه قتل هذا الصبي الساعة، وشهد رجلان أنه لم يقتله، وأنهما كانا حاضرين حتى سقط الصبي فمات، وأن الصبي الذي شهد عليه الصبيان لم يضربه ولم يقتله، قال أصبغ: أرى شهادة الصبيين تامة، ولا يلتفت إلى شهادة الكبيرين، وإنما ذلك عندي بمنزلة أن لو شهد كبيران أنه قتله، وشهد كبيران آخران أنه لم يقتله على نحو مسألتك، فشهادة من شهد بالقتل أولى، قيل له: أو لا ينظر إلى العدالة في هذا؟ قال: اعلم أن الدماء والجراح والعتاق والطلاق والحدود، كلها لا ينظر فيها إلى العدالة بعد أن يكون من شهد عليه عدلا مرضيا في شهادته، فهي أولى من شهادة من تعرض لها بالرد، وإن كانوا أعدل.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا إغراق في القياس على أصل