قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة لمالك أجاز الفرار من موت إلى موت أيسر منه، ولم ير ذلك عونا على قتل نفسه، واختلف فيه قول ربيعة، فمرة قال: لا يحل ذلك، ومرة أجازه، والصواب إن شاء الله أن ترك ذلك أفضل، وفعله جائز لا إثم على فاعله فيه؛ لأنه إذا أيقن بالهلاك ولم يشك فيه، فلم يعن على قتل نفسه، وإنما سعى في التخفيف عنها، والله تعالى أسأل في العافية.
[مسألة: عقر غنم وبقر أعداء المسلمين]
مسألة قال: وقال مالك: تعقر غنمهم وبقرهم إن لم يحتاجوا إلى ذلك، وكل ما قدروا على أن يهلكوهم به.
قال محمد بن أحمد: يريد أنها تعقر بالإجهاز عليها، وتحرق بعد ذلك إن خشي أن ينتفع العدو بها بعد عقرها، وذلك أفضل من تركها لهم يبغون بها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}[التوبة: ١٢٠] ، وإنما نهى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يزيد بن أبي سفيان بقوله: ولا تعقرن شاة أو بعيرا إلا لمأكلة، لما علمه من ضعف العدو ورجائه من سرعة تصيير ذلك للمسلمين.
[مسألة: رسل من الروم أسلم بعضهم فقام عليهم أصحابهم وأرادوا ردهم معهم]
مسألة قال: وقال ابن القاسم: أرسل ملك الروم للخليفة رسلا من الروم، فأسلم بعضهم، فقام عليهم أصحابهم، وأرادوا ردهم معهم، فقال مالك: ذلك لهم أن يردوا معهم إلى بلادهم. قال ابن القاسم: وكذلك فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أبي جندل.