قال محمد بن رشد: لا اختلاف أحفظه في مذهب مالك أن الرهبان لا يقتلون ولا يسبون ولا تضرب عليهم الجزية إذا كانوا معتزلين لأهل دينهم في ديارات أو صوامع، لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قتل الرهبان وعن قتل أصحاب الصوامع» . وإنما اختلف في النساء الرواهب هل يسبين أم لا، فقيل: إنهن تبع لرجالهن في أنهن لا يسبين، وقيل: إنهن يسبين وهو قول سحنون. وقد مضى القول على هذا في أول سماع أشهب من كتاب الجهاد. واختلف أيضا في أموال الرهبان هل يترك لهم أم لا. وقد مضى القول على هذا في رسم التمرة من هذا السماع من كتاب الجهاد، وبالله التوفيق.
[الذبيح من هو من ابني إبراهيم عليه السلام]
في الذبيح من هو من ابني إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسئل مالك عن الذي فدي من الذبح، قال إسحاق.
قال محمد بن رشد: قد اختلف في الغلام الذي أمر إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بذبحه، فقال قوم: هو إسحاق، وقال آخرون: هو إسماعيل. فأما من قال إنه إسحاق فعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وكعب الأحبار، وجماعة من التابعين. وأما من قال إنه إسماعيل فعبد الله بن عمر، ومحمد بن كعب، وسعيد بن المسيب، وجماعة من التابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. قال الفضل: الصحيح الذي يدل عليه القرآن أنه إسماعيل، وذلك أن الله عز وجل قص قصة الذبيح، فلما قال في آخر القصة {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[الصافات: ١٠٧] ثم قال: {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الصافات: ١٠٩]{كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات: ١١٠]{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات: ١١١] قال: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}[الصافات: ١١٢]{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ}[الصافات: ١١٣] ، أي على إسماعيل وعلى إسحاق، كنى عنه لأنه قد تقدم