للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد بن رشد: أما الجاهل فبين أنه لا شيء عليه؛ لأنه لا يدري ما معنى الكلام، وإنما هو شيء حفظه من تلبية الملبين فجرى على لسانه، وأما الذي قاله على وجه السفه فلم ير عليه مالك في ذلك شيئا، فمعناه الذي يقوله على وجه الاستخفاف بالداعي له لإرادته بإجابته إياه بهذا الكلام ضد هذا الكلام الذي لا يليق به معناه، فعرض له بذلك أنه لا شرف له ولا حق ولا كرامة يستوجب بها الإجابة، وأما لو قال ذلك على وجه السفه استخفافا بالتلبية في الحج لوجب عليه الأدب المؤلم، وهو محمول على أنه قاله على وجه الاستخفاف بالداعي، حتى يعلم أنه أراد بذلك الاستخفاف بالتلبية؛ لأن هذا معلوم في كلام الناس أن يراد بالكلام ضد موجبه، فمعناه فيقال لابن الأسود ابن الأبيض، ومنه تسمية الأعمى أبو بصير، والمهلكة الفائزة، ومثل هذا كثير، ولا يحمل على أحد أنه قال لأحد مجدا معتقدا أنه إلهه إلا أن يقر بذلك على نفسه وهو عاقل غير مجنون ولا سكران، وبالله تعالى التوفيق.

[: توعد قرة بن هبيرة لعمرو بن العاص بعد وفاة النبي]

ومن كتاب طلق بن حبيب قال مالك: بلغني أن رجلا قال لعمرو بن العاص - وكان عمرو عاملا على البحرين في زمان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأنه قال له: إن النبي قد توفي فالحق ببلدك، فالحق ببلدك، وإلا فعلنا وفعلنا - يتواعده - فقال له عمرو بن العاص: لو كنت في حفش أمك لدخلنا عليك فيه.

قال محمد بن رشد: القائل لعمرو قرة بن هبيرة بن سلمة، كان ارتد وأتي به موثقا إلى أبي بكر مع عيينة، وشهد عليه بذلك عمرو بن العاص، فأراد بقوله هذا: أنه لا يفلته ولا ينجو منه حتى يقيم حد الله عليه، وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>