إجازته. وقد أخطأ الذين جازوه، والذي ينبغي عندي على أصولهم أن ينظر في ذلك، فإن رئي أن لمن أجاز النهر في وصول من لم يجزه معهم إليه، ووقوفهم بمكانهم إلى حين انصرافهم بغنيمتهم إليهم وجهُ منفعة، مثل أن يكون بالنهر من الغرب من بلد العدو، بحيث يمكن أن يكون العدو قد بلغه جمعهم، وكثرة عددهم، فيظنوا أنهم أجازوا النهر بجمعهم، فيكون لهم الدخول فيما غنموه؛ إذ لعل ما ظنه العدو من جوازهم هو الذي فتّ في أعضادهم، فكان ذلك عونا للغانمين على غنيمتهم؛ وإن رئي أنهم لم يكن في وصولهم معهم إلى النهر، ووقوفهم عليه وجه منفعة لم يكن لهم دخول معهم في غنيمتهم.
ولا اختلاف في أنه لا يجوز شهادة من جاز مع الإمام بالتخلف على من أنكره؛ لأنه يجر بشهادته إلى نفسه ما يجب لهم من سهم المشهود عليهم، إلا أن يكون الذي يجب لهم من ذلك يسيرا، فيجري ذلك على الاختلاف في جواز شهادة العدل إذا شهد لغيره شهادة يجر بها إلى نفسه ما لا يُتهم على مثله لنزارته، فقد أجازها مالك في سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق. وأما شهادة الإمام فقال ابن القاسم في هذه الرواية: إنها لا تُقبل على المتخلفين إلا ببينة؛ لأنه كأحد الحائزين في الجر إلى نفسه بشهادته، ولسحنون في كتاب ابنه أن قول الإمام مقبول على من تخلف إذا كان عدلا من غير طريق الشهادة، وقوله بعيد؛ لأنه إن حكم هو عليهم بألا حق لهم في الغنيمة كان حاكما بعلمه جارًّا بذلك لنفسه، وإن رفع الأمر إلى غيره من الحكام، فشهد عنده بعلمه استوى هو وغيره في الشهادة، ووجب أن تبطل بما تبطل به شهادة من سواه، ووجهه أنه أجاز قوله في ذلك على قياس مذهبه في أن للقاضي أن يقضي بعلمه فيما أقر به عنده الخصم في مجلس قضائه.
[مسألة: حصرَهم العدو فخرج نفر منهم فقاتلوا العدو فأصابوا خيلا وأسلابا]