معلوم كَأَنّهُ دفع إليه ألفه قراضا على أن يكون له من الربح خمسة أعشاره ونصف عشره، وذلك خلافُ مذهبه في المدونة؛ لأن الذي يأتي على مذهبه فيها في شرط خلط مال القراض بغيره أن يُرَدَّ العاملُ فيه إلى قراض مثله وهو قول ابن حبيب؛ لأنها منفعة داخلة في المال غير خارجة عنه ولا منفصلة منه.
وقد قيل: إن ذلك يكره فان وقع مضى، وهو قول أصبغ وروايتُه عن ابن القاسم، وقيل: يجوز ابتداء وهو قول أشهب.
فالذي يأتي في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم في المدونة أَنْ يُرَدّ العاملُ إلى قراض مثله في الألف للأعوام كلها، وتجبر الخسارة في العام الآخِر من ربح الأعوام المتقدمة كما قال، إلّا أن يكون كلما حاسبه وقبض حصته من الربح قال له: اعمل بما في يدك قراضا مُؤْتَنَفا فلا يجبر ما خسر بعد ذلك من الربح المتقدم على ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أصحاب مالكٍ إلّا ابن القاسم، وأما على مذهب ابن القاسم في المدونة فهما على القراض من أول ما دفعه إليه، وإن حاسبه في كل سنة وقبض حصته من الربح، وقال له: اعمل في يديك قراضا مؤتَنفا، وكذلك على مذهبه الذي قد نص عليه، وإن أحضر المالَ ما لم يدفعه إليه ثم يرده عليه على قراض مؤتنف، وقد قيل: إنهما على القراض الأول إذا رده إليه في الحين حتى يطول الأمر ويبرأ من التهمة، وقد مضى هذا المعنى في سماع سحنون وبالله التوفيق.
[مسألة: دفع إلى رجل مالا قراضا فابتاع به سلعة فقال صاحب المال قد نهيتك عنها]
مسألة وعن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فابتاع به سلعة فقال صاحبُ المال: قد نهيتك عنها، ويقول العاملُ: لم تَنْهَنِي عنها، قال: يحلف العاملُ أنه ما نَهَاهُ ويكون القولُ قولَه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه رب المال مدع عليه العدا ويريد تضمينه، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وبالله التوفيق.