قال محمد بن رشد: إنما استحبه له لأجل أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صنعه، ومضى عليه عمل الخلفاء بعد.
[مسألة: يهل أهل الشام من الجحفة]
مسألة وسئل مالك عن الجحفة، هل سمعت في مساجدها بحد من المسجد الأول، أو من الآخر يحرم منه؟ قال: ما سمعت فيه شيئا، وإنما سمعت الحديث في الجحفة، وذلك واسع إن شاء الله، وروى أشهب مثله، وزاد قيل له إذا صلى فيه أيهل من جوف المسجد، أم يهل إذا استوت به راحلته؟ فقال: لا يهل من جوف المسجد، ولكن إذا استوت به راحلته.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قال:«ويهل أهل الشام من الجحفة» ، ولم يخص مسجدا من مساجدها دون غيره، فمن أيها أهل المحرم، فقد امتثل الأمر، وقد قال مالك في المختصر الكبير: ومن أهل من الجحفة فالوادي مهل كله، وأحب إلينا أن يحرم من أوله حتى يأتي محرما على ذلك كله، وهو حسن من الفعل، وأما قوله: إنه لا يهل من جوف المسجد، وإنما يهل إذا استوت به راحلته، فهو على ما رواه وأخذ به من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يهل حتى استوت به راحلته في فناء المسجد بذي الحليفة، وقد روي أنه أهل في جوف المسجد حين صلى الركعتين، وروي أيضا إنما أهل حين أشرف على البيداء، وقد روي عن ابن عباس: إنما وضح وجهة هذا الاختلاف، فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوجب الحج حين قضى الركعتين، فلما استوت به راحلته في فناء المسجد أهل أيضا، ولما أشرف على البيداء أهل أيضا، وكان الناس يأتونه أرسالا، فحدث كل بما رأى، فمن قال: إنه أهل حين