قال محمد بن رشد: سؤال عائشة النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المؤمن؟ معناه من المؤمن الممدوح بالإيمان، إذ لا يقال فلان مؤمن على سبيل المدح له إلا إذا كان حسن الإيمان يتوقى به من الآثام. وقوله: سأل من أين قرصته في الغداء والعشاء، معناه بحث عمن اشتريت له منه حتى يعلم إن كان طيب المكسب أم لا، فلا يأكل إلا ما تيقن أنه لا تباعة لأحد عليه فيه، بتوقيه المتشابه وتركه ما يربيه إلى ما لا يربيه. وإنما ذكر القرصين اللذين لا فضل فيهما عما يحتاج إليه ليبين بذلك أن ما فيه فضل عما لا بد له منه فذلك عليه فيه آكد، فهذا معنى الحديث عندي، والله أعلم، وبه التوفيق، لا شريك له.
[قول ابن مسعود المراء لا تؤمن فتنته]
في سماع يحيى من كتاب الأقضية قال يحيى وأخبرني ابن أبي كثير عن ابن عيينة أنه قال: كان ابن مسعود يقول: المراء لا تؤمن فتنته، ولا تفهم حكمته.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لأن المراء هو مخالفة الرجل في القول ومنازعته فيه، والذهاب إلى تصويب قوله بإقامة الحجة على خصمه. وهذا من الفعل المذموم، لأن من قصد إليه لم يأمن أن يفتتن بقوله ولا يفهم وجه قول خصمه بالحرص على الرد عليه. ولا ينبغي لأحد أن يناظر أحدا إلا ليتبين له الحق هل هو فيما يعتقده فيثبت عليه، أو فيما يقوله مناظره فيصير إليه، وبالله التوفيق.