حتى يسكن، قال مالك: بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال:«إني رأيت أني دخلت الجنة، وأني سمعت خشفا أمامي. فقلت: من هذا؟ فقيل لي: بلال» ، فزعم أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما ذكر له ذلك بكى.
قال محمد بن رشد: إنما قال بلال: لو كنت عند عمر حين غضب لقرأت عليه القرآن حتى يسكن؛ لعلمه أنه كان وقافا عند كتاب الله، فأراد والله أعلم أنه كان يقرأ عليه من القرآن ما يعظه في غضبه، مثل قوله عز وجل:{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى: ٣٧] ، ومثل قوله:{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: ١٣٤] ، ومثل قوله:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف: ١٩٩] ، وما أشبه ذلك من المواعظ في الغضب، وفي رؤية النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبلال في الجنة شهادة له بها؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، وبكاؤه حين أعلمه بما رآه له كان شوقا إلى الجنة، والله أعلم.
[متى وقعت غزوة تبوك]
في أن غزوة تبوك كانت بعد الفتح قال مالك: كانت غزوة تبوك بعد الفتح.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما قاله؛ لأن الفتح كان في رمضان سنة ثمان، وكانت غزوة تبوك بعد ذلك في رجب من سنة تسع، وهى آخر غزوة غزاها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد مضى قبل هذا ذكر هذا، وبالله التوفيق.