للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سيرة عمر في الناس في سني الرمادة]

في سيرة عمر في الناس في سني الرمادة قال مالك: بلغني أن أول ما أغيث الناس في زمن عمر بن الخطاب في الخريف، فقال له رجل: ما كنت فيها بابن ثأداء فقال عمر: لا حول ولا قوة إلا بالله، وضربه بالدرة وكتب إلى عمرو بن العاص وغيره يا غوثاه، فبعثوا إليه بالإبل عليها الدقيق والأكسية، قال: وإن كان عمر لينفخ تحت قدورهم حتى إن كان الدخان يخرج من خلل لحيته قال: لا تشبعونهم فإنهم كالشن البالي، ولكن قليلا قليلا حتى ينتعشوا ويقووا، قال: وكان يأتي بالبعير عليه الدقيق إلى أهل البيت فيقول: كلوا لحمه، وائتدموا شحمه، والْتَحِفُوا بهذا العباء، وكلوا هذا الدقيق.

قال محمد بن رشد: قول الرجل لعمر بن الخطاب: ما كنت فيها بابن ثأداء، معناه ما كنت في هذه السنين بابن امرأة ضعيفة مسكينة، أي لم تضعف عن إغاثة الناس وإحيائهم وإقامة أرماقهم حتى جاء الله بالفتح من عنده، ومنه المثل السائر تجوع الحرة ولا تأكل بثديها، أي لا ترضى أن تكون ضئيرا لقوم إلا المرأة الدنية المسكينة.

وإنما ضربه لمدحه إياه في وجهه، فقد جاء النهي عن ذلك، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «احثوا التراب في وجه المداحين» أي وبخوهم وقبحوا إليهم قولهم حتى يذلوا ويكونوا في الذلة كمن لصق بالتراب، ومنه الحديث «تربت يمينك ومن أين يكون الشبه» ، وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>