وقد أمر الله عز وجل نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بمشورة أصحابه في الأمور والتثبت فيها، فقال عز وجل:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: ١٥٩] ، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات: ٦] روي عن أم سلمة أنها قالت: نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وذلك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث رجلا في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة، فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فرجع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم، فغضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون، فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصفوا له حتى صلى الظهر فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، بعثت إلينا رجلا مصدقا فسررنا بذلك وقرت به أعيننا، ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله ومن رسوله، فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال فأذن بصلاة العصر، قال: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات: ٦] » ، ومن هذا المعنى قول ابن عباس: القصد والتؤدة وحسن السمت جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوءة، وقد روي مرفوعا إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لأن التؤدة التأني في الأمور والتثبت فيها، وأما القصد فمعناه الاقتصاد في النفقة، وفي معناه جاء الحديث «ما عال من اقتصد» ، وأما حسن السمت فالوقار والحياء وسلوك طريقة الفضلاء، وبالله التوفيق.