وسئل مالك عن مكة والمرور بها بين يدي المصلي في المسجد، أترى أن يمنع منها مثل ما يمنع من غيرها؟ قال: نعم، إني لأرى ذلك إذا كان يصلي إلى عمود أو سترة، ولا أدري ما الطواف كله تحققه أن يصلي إلى الطائفين.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا كان يصلي إلى عمود أو سترة، دليل على أنه إذا صلى في المسجد الحرام إلى غير سترة، فالمرور بين يديه جائز، وليس عليه أن يدرأ من يمر بين يديه، بخلاف إذا صلى في غير المسجد الحرام إلى غير سترة، والإثم في ذلك عليه دون المارين، بخلاف صلاته إلى الطائفين، والفرق بين الطائفين وغيرهم من المارين بين يديه في إجازته الصلاة إليهم، أن الطائفين يصلون؛ لأن الطواف بالبيت صلاة، وإن جاز فيه الكلام، ألا ترى أنه لا يكون إلا على طهارة؟ وأما من صلى في المسجد الحرام إلى سترة، فلا يجوز لأحد أن يمر بينه وبينها من غير الطائفين، فإن من كان له أن يدرأه عن ذلك، وأما الطائف فلا ينبغي له أن يمر بينه وبين سترته، إلا أن لا يجد بدا من ذلك من زحام، فليمر ولا يدرأه المصلي على المرور، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يجوز أن يصلي في المسجد الحرام إلى غير سترة، فإن مر الناس بين يديه في الطواف وغيره، ولا إثم في ذلك عليه ولا عليهم، وأن مكة مخصوصة بجواز المرور فيها بين يدي المصلي، بدليل ما روى عبد المطلب بن أبي وداعة، قال:«رأيت النبي يصلي مما يلي بني سهم، والناس يمرون بين يديه، ليس بينه وبين القبلة شيء» ، وقال بعض الرواة: ليس بينه وبين الطواف سترة، قال: ومن طريق المعنى أن الذي يصلي معاينا إلى الكعبة، يستقبل في صلاته وجوه بعض المصلين إليها، ولا يجوز ذلك في غيرها، فإذا