في بركة الغزو قال مالك: إن رجلا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد الغزو فقال له أهله لو أقمت فسقيت وديك وأصلحته فإني أخاف أن يموت، قال: فغزا وترك الودي على حاله، فأتى وقد صلح، قال فذكر له أهله، فقال الرجل الغزو يصلح الودي.
قال محمد بن رشد: قوله الغزو يصلح الودي، معناه أن الرجل لا يجد فقد شيء تركه لله، وبالله التوفيق.
[الطاعة لا تجب إلا بالمعروف]
في أن الطاعة لا تجب إلا بالمعروف قال مالك عن [عبد الله بن أبي بكر] عن ابن شهاب أن شداد ابن أوس غطى رأسه فبكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: إنما أخاف عليكم من قبل رؤسائكم الذين إذا أمروا بطاعة أطيعوا، وإذ أمروا بمعصية أطيعوا. إنما المنافق كحمل اختنق فمات في ربقه لا يعدو شره ربقه. قال الربق: الذي يجعل للخروف يمنع به الرضاع.
قال محمد بن رشد: شداد بن أوس هذا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأنصار ابن أخي حسان بن ثابت الأنصاري، قال فيه عبادة بن الصامت: كان شداد بن أوس ممن أوتي العلم والحلم، وقال أبو الدرداء: إن الله يؤتي الرجل العلم ولا يؤتيه الحلم ويؤتيه الحلم ولا يؤتيه العلم، وإن أبا يعلى شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم. وبكاؤه من حذره على الناس طاعتهم لرؤسائهم في الطاعة والمعصية من الحلم الذي آتاه الله إياه، وتمثيله للمنافق بالحمل الذي يختنق في ربقه فيموت، من العلم الذي آتاه الله إياه، لأنه تمثيل صحيح، لأن المنافق يهلك باعتقاده فلا يتأذى به سواه، إذ لا يظهره كالخروف يموت بربقه إذا اختنق به، فلا يتأذى به سواه، وبالله التوفيق.