له أن يرجع عليه بما فداه به، وقد قيل لا يرجع عليه بشيء، روي ذلك عن ابن سيرين، والحكم، وغيرهما، واحتج بعض من ذهب إلى هذا بأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال:«فكوا العاني» . فإنما يجب ذلك على المسلمين، فلا يعود ذلك على الأسير - وهو قول له وجه إذا حملنا قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فكوا العاني» ، على عمومه فيمن له مال وفيمن ليس له مال؛ لأن الأول أظهر، ويحتمل أن يكون معنى الحديث فيمن لا مال له، فلا يلزم أحد أن يفتك من له مال، ولا يلزم الإمام ذلك أيضا من بيت مال المسلمين، إلا أن يرى ذلك على وجه النظر كالجائزة يجيزها لمن له مال؛ وأما من فدى أسيرا لا مال له بغير أمره، فالصحيح الذي يوجبه النظر والقياس، أنه ليس له أن يتبعه بما فداه به؛ لأن ذلك إنما يتعين على الإمام وجميع المسلمين، وظاهر الروايات خلاف ذلك وهو بعيد.
[مسألة: الإمام مخير في الأسارى]
مسألة قال: وسئل مالك عن قول عمر بن الخطاب لا يجلب إلينا من هؤلاء العلوج أحد مرت عليه المواسى؛ ما تراه أراد بذلك؟ فقال: أراد بذلك ألا يستحيوا.
قال محمد بن رشد: مذهب مالك أن الإمام مخير في الأسارى على وجه الاجتهاد بين خمسة أشياء: إما أن يقتل، وإما أن يأسر ويستعبد، وإما أن يعتق، وإما أن يأخذ فيه الفداء، وإما أن يعقد عليه الذمة ويضرب عليه الجزية؛ لأنه استعمل الآيات الواردة في ذلك في القران، وفسر بعضها ببعض، ولم ير فيها ناسخا ولا منسوخا؛ فإن كان الأسير من أهل النجدة