[مسألة: أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم وذلك يضر برحى الأسفلين]
مسألة وسئل عيسى عن ساقية بين قوم أعلين وأسفلين، فللأعلين نصفها يسقون بها يومين ثم يسرحون ذلك الماء إلى الأسفلين فيسقون بها يومين، فهذا فعلهم ما احتاجوا إلى السقي، فإن استغنوا سرحوا الماء إلى الأسفلين حتى يقع في النهر الأعظم فأنشأ الأسفلون على الساقية رحى فطحنت زمانا في غير أيام السقي، ثم أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم وذلك يضر برحى الأسفلين فأرادوا دفعهم وادعوا بأنهم سبقوهم إلى العمل، فقال: إن كان أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم أنشأوها إن أحبوا ثم اقتسموا الماء كله كما كانوا يقتسمون يومين يومين، فإذا كان يوم الأعلين طحنوا فيها وسقوا وصنعوا بمائهم ما شاءوا ثم أرسلوا على الأسفلين فطحنوا في يوميهم أيضا وسقوا وصنعوا ما شاؤوا، قال: وإن أراد الأعلون أو الأسفلون قسمة الساقية بنصفين وكره ذلك الآخرون لم يكن لهم أن يقتسموها إلا باجتماعهم لأن في ذلك ضررا عليهم لأنه يصير عليهم ما كانوا يسقون به في يومين لا يسقون به إلا في أربعة فيكثر عناؤهم ويضر ذلك بهم.
قال الإمام القاضي: المعنى في هذه المسألة أن الأعلين أرادوا أن يعملوا على ذلك الماء رحى في حقهم وأرضهم على غير الساقية التي يمر عليها الماء إلى الأسفلين أو عليها بعينها على صفة لا يمكن الأسفلين السقي ولا الطحن بما يصل إليهم من الماء حتى يغلقوا رحاهم ويردوا الماء على ساقيته القديمة أو على حالته الأولى أو يمكنهم ذلك بنقص يدخل عليهم فيه، ولهذا قال: إن الأسفلين إذا سبقوا إلى العمل كان للأعلين أن يعملوا فيقتسموا الماء على ما كانوا يقتسمونه عليه، فإذا كان يوم سقيهم صنعوا بمائهم ما شاؤوا من سقي أو طحن، إذا كان يوم الأسفلين عقلوا رحاهم وصرفوا الماء على ساقيته أو حالته إلى الأسفلين فصنعوا به ما شاؤوا