في الإشفاق من استفتاء من ليس من أهل الفتوى قال مالك: إن ربيعة بكى، فقيل له: ما الذي يبكيك؟ أقضية نزلت بك؟ قال: لا ولكنه أبكاني أنه اسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ. قال: وسمعت مالكا يقول: كان سليمان بن يسار أفقه رجل كان ببلدنا بعد سعيد بن المسيب، والكثير ما كانا يتفقان في القول، فكان إذا ارتفع الصوت في مجلسه، أو كان مرا أخذ نعليه ثم قام.
قال محمد بن رشد: إنما بكى ربيعة من استفتى من لا علم له؛ لأن ذلك مصيبة في الدين، وهي أعظم من المصيبة في المال. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الناس، ولكنه يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» ، فلا يصح أن يستفتى إلا من كان من العلماء الذين كملت لهم آلات الاجتهاد، بأن يكون عارفا بالكتاب، والذي يجب عليه أن يعلم منه ما تعلق بذكر الأحكام من الحلال والحرام، فيعرف مفصله ومجمله، ومحكمه وناسخه ومنسوخه، دون ما فيه من القصص والأمثال، والمواعظ والأخبار، ويحفظ السنن المروية عن النبي في ذلك من بيان الأحكام وناسخها ومنسوخها ويعرف معاني الخطاب وموارد الكلام ومصادره، من الحقيقة والمجاز، والخاص والمفصل والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، ويعرف من اللسان ما