والمعنى في ذلك أنه عنده كفر، إلا أنه لما اعتقده على سبيل التأويل والفرار من الكفر حصل الرجاء لهم من الله في أن يتجاوزه عنهم، فأشبه في ذلك الذنب، وإن كان عنده في الحقيقة كفر يجب عليه به من الخلود في النار ما يجب على الكفار، فالفرق بينهم وبين الكفار أنه لا يقطع بخلودهم في النار كما يقطع بخلود الكفار فيه، ومن لا يكفرهم باعتقادهم يقول: إن ذلك ذنب من الذنوب، لا يجب عليهم به الخلود في النار، ولا يجب قتلهم إن استتيبوا فأبوا، إلا أن يبينوا بدراهم، ويدعوا إلى بدعتهم، ويمنعوا فريضة من الفرائض، أو يسفكوا الدماء، ويخيفوا السبيل على ما قاله سحنون، وحكى أنه قول جماعة أصحاب مالك، وهذا في مثل القدرية والإباضية والمعتزلة وشبههم؛ إذ من أهل الأهواء ما هو كفر صريح لا يختلف في أنه كفر كالذي يقول: إن جبريل أخطأ بالوحي، وإنما كان النبي علي بن أبي طالب وما أشبه ذلك، ومنه ما هو خفيف لا يختلف في أنه ليس بكفر كالذي يقول: إن علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر، وما أشبه ذلك، وقد مضى هذا التفصيل من قولنا في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي غير ما موضع، وسيأتي بيانه أيضا في هذا الرسم بعد هذا، فالكفار يقطع على خلودهم في النار، والقدرية والإباضية والمعتزلة وشبههم من أهل الأهواء لا يقطع بخلودهم فيه، وأهل الأهواء يقطع على أنهم لا يخلدون في النار كالمصرين على الذنوب.
[مسألة: سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمه]
مسألة قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم: ومن سب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو شتمه أو أعابه أو نقصه، فإن كان مسلما قتل ولم يستتب، وميراثه لجماعة المسلمين، وذلك لأن المسلم الذي يدعي الإسلام، ويشتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنزلة الزنديق الذي لا تعرف له توبة، فلذلك لا يستتاب؛ لأنه يتوب بلسانه، ويراجع ذلك في قلبه، فلا يعرف له توبة، وأما إذا كان نصرانيا؛ فإنه يقتل إلا