احتكارها في وقت لا يضر احتكارها فيه بالناس، ففيه أربعة أقوال، أحدها: إجازة احتكارها كلها: القمح والشعير وسائر الأطعمة، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة. والثاني: المنع من احتكارها كلها جملة من غير تفصيل، للآثار الواردة في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وغيره، فقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال:«لا يحتكر إلا خاطئ» وهو مذهب مطرف وابن الماجشون. والثالث: إجازة احتكارها كلها ما عدا القمح والشعير، وهو دليل رواية أشهب عن مالك في رسم البيوع الأول من كتاب جامع البيوع. والرابع: المنع من احتكارها كلها، ما عدا الأدم والفواكه، والسمن، والعسل والتين، والزبيب وشبه ذلك. وقد قال ابن أبي زيد فيما ذهب إليه مطرف وابن الماجشون من أنه لا يجوز احتكار شيء من الأطعمة: معناه في المدينة، إذ لا يكون الاحتكار أبدا إلا مضرا بأهلها، لقلة الطعام بها، فعلى قوله، هم متفقون على أن علة المنع من الاحتكار تغلية الأسعار، وإنما اختلفوا في جوازه لاختلافهم باجتهادهم في وجود العلة وعدمها. ولا اختلاف بينهم في أن ما عدا الأطعمة من العصفر والكتان والحنا وشبهها من السلع يجوز احتكارها إذا لم يضر ذلك بالناس.
[الدعاء في حوائج الدنيا]
في استحباب الدعاء في حوائج الدنيا
قال: وحدثني يحيى بن سعيد أنه كان بإفريقية، قال: فأردت حاجة من حوائج الدنيا، قال: فدعوت فيها ورغبت ونصبت واجتهدت، قال: ثم ندمت بعد ذلك، فقلت: لو كان دعائي هذا في حاجة من حوائج آخرتي، قال: فشكوت ذلك إلى رجل كنت أجالسه فقال لي: فلا تكره ذلك. فإن الله قد بارك