{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}[النور: ٣٢] ، الآية؛ لأنه أمر بإنكاح الأيامى من الأحرار والعبيد، ولم يذكر في ذلك استئمارا، ولا خص أبا من غيره، فوجب بظاهر هذه الآية أن لا يستأمر الأب ولا غيره من الأولياء الأيامى من الأحرار ومن اللواتي لا أزواج لهن، كما لا يستأمر السيد عبده ولا أمته في النكاح؛ إذ جاءت الآية في ذلك كله مجيئا واحدا، فخصصت السنة من ذلك من عدا الأب من الأولياء في الأيامى الأحرار بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها» وخصص الإجماع من ذلك الأب في ابنته الثيب، وبقي الأب في ابنته البكر على عموم الآية يزوجها دون استئمار، كما يزوج السيد عبده وأمته دون إذنهما.
ومن الحجة لمالك أن أهل العلم قد أجمعوا على أنه يزوج ابنته البكر قبل بلوغها دون استئمار، فمن ادعى أن عليه أن يستأمرها إذا بلغت وجب عليه الدليل، وهذا استدلال باستصحاب حال الإجماع، وهو دليل صحيح عندهم، وبالله التوفيق.
[مسألة: لا ينبغي لرجل علم من وليته فاحشة أن يخبر بذلك من خطبها]
مسألة قال مالك: لا ينبغي لرجل علم من وليته فاحشة أن يخبر بذلك إذا خُطبت.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن من تزوج امرأة فاطلع على أنها قد كانت زنت، لم يكن له أن يردها بذلك، فإذا لم يكن ذلك عيب فيها يجب به للزوج ردها، لم يكن على وليها أن يعلمه به، بل واجب عليه أن يستره عليها؛ لأن الفواحش يجب على الرجل أن يسترها على نفسه وعلى غيره، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصاب من هذه القاذورة شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يُبْدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله» وقال لهزال: «يا هذا لو سترته