زنيا منهم فحكم عليهما بالرجم على ما في التوراة، فوجب أن يقاس على ذلك ما كان في معنى الحد من سائر شرائعهم، وأن يكون الإمام مخيرا في الحكم بينهم في ذلك إن حكموه فيه، وأما ما يتظالمون فيه فمن الحق على الإمام أن يحكم بينهم في ذلك، ويكف بعضهم عن بعض، وإن لم يحكموه في ذلك ويكف غيرهم أيضا عن ظلمهم؛ لأنه إنما أخذ الجزية منهم على ذلك، فهو من الوفاء بالعهد لهم، ولا اختلاف في ذلك بين أحد من أهل العلم، وقد قيل: إن قوله عز وجل: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩] معناه عند مالك فيما يتظالمون فيه، وقيل: إن معناه في غير التظالم من الحدود وغيرها، وإن المراد بذلك إن حكمت على ما توجبه الآية الأخرى من التخيير، وأصح ما قيل في هذا أن قوله عز وجل:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩] معناه وأن احكم بينهم بما أنزل الله في التوراة إن حكمت، وأن قوله عز وجل:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٨] في القرآن إن حكمت، وأن هذه الآية ناسخة الحكم بالتوراة لا التخيير في الحكم، إذ قد أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز الحكم بينهم إلا بما في القرآن، وقد قيل: إنهما ناسختان للتخيير في الحكم، وإنه لا يجوز للإمام ردهم إلى حكامهم إذا حكموه، وذهب إلى هذا بعض أهل العراق، وهو بعيد؛ لأن النسخ حكم مبتدأ لا يكون معطوفا على ما قبله، فعطف هاتين الآيتين على آية التخيير يدل على أنهما غير ناسختين لآية التخيير، والله أعلم.
[مسألة: نساء أهل الذمة الذين أخذوا عنوة هل يحل النظر لشعورهن]
مسألة وسئل ابن القاسم: عن نساء أهل الذمة الذين أخذوا عنوة مثل أهل مصر هل يحل للرجل أن ينظر إلى شعورهن؟ فقال: لا يحل لمسلم أن ينظر إلى شعورهن ولا إلى شيء من عوراتهن، فقيل له: أليس هن بمنزلة الإماء؟ قال لا: بل هن حرائر؛ لأن دية من قتل