ذلك أن الحرام من ثمن المغنية لما كان مشاعا في جملة لم يحل له أن يأكل منه قليلا ولا كثيرا حتى يخرج الحرام منه فيخلص له الحلال؛ لأنه إذا أكل شيئا فهو عليه حرام من أجل ما خالطه من الحرام، وإن كان باقي الثمن عنده وفيه وفاء بجميع الحرام، وذلك في التمثيل كرجل سرق دينارا من مال بينه وبين شريكه فأكله فهو عليه حرام من أجل ما خالطه من مال شريكه حتى يتحلله منه أو يرده إليه. وهذا هو معنى قول أصبغ في الرواية: وإلا حرم عليه الثمن كله، وثمن المغنيات حرام محرم، وبالله التوفيق.
[قصة الشعر للمرأة]
في قصة الشعر للمرأة قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول: أكره قصة الشعر للمرأة كراهية شديدة. قال وكان فرق الرأس أحب إلى مالك فيما أظن.
قال محمد بن رشد: قصة الشعر للمرأة هو أن تترك على جبهتها ما أنسدل من الشعر إلى وجهها فتقصه على حاجبيها، وفرق الشعر هو أن لا تقصه فتقسمه بالمشط فتلقي نصفه إلى أحد الجانبين، والنصف الآخر إلى الجانب الآخر فتنكشف الجبهة من الشعر. وإنما كره ذلك للمرأة لما جاء من أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سدل ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد ذلك. وروي عن ابن عباس أنه قال:«كان أهل الكتاب يسدلون شعرهم، وكان المشركون يفرقون، وكان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فسدل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناصيته ثم فرق بعد» . ففي حديث ابن عباس هذا دليل على أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يترك في آخر أمره ما كان عليه